الكاتب الصحفى السيد أبو على يكتب «فعلها سراج ولم يفعلها من سبقوه»

لم يكن أحد يتوقع أن يتحول مبنى قديم مهجور، ظل شاهداً لعقود على وعود جوفاء، إلى مول تجاري حديث يفتح أبوابه لآلاف المواطنين ويعيد الحركة إلى قلب مدينة سوهاج، لكن اللواء الدكتور عبد الفتاح سراج، محافظ سوهاج، فعلها حقا، فاختار أن يكسر حلقة التصريحات المتكررة ليترجم الكلام إلى أرقام وعقود وأموال تدخل خزانة المحافظة.
سنوات طويلة ظل موقع «سينما أوبرا» بميدان الثقافة يثير التساؤلات بين الأهالي: لماذا تترك هذه المساحة المميزة في وسط المدينة حبيسة الإهمال؟ لماذا لم تتحول إلى مشروع ينعش شوارع سوهاج ويوفر فرص عمل لشبابها؟ وجاء محافظون ورحلوا، تعددت التصريحات، وامتلأت المنصات الإعلامية بالكلمات الرنانة، لكن لم يتحرك حجر واحد من مكانه، وحده سراج قرر أن تكون البداية من هنا: استثمار أصول الدولة ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية وتنموية.
لم يكن قرار إرساء حق الإنتفاع لهذا الموقع مجرد صفقة عقارية عابرة، بل خطوة محسوبة لإعادة هيكلة خريطة الإستثمار في المحافظة، فحين يوقع المحافظ عقداً يضمن دخلاً ثابتاً يتجاوز 7 ملايين جنيه سنوياً – مع زيادة سنوية – فإن هذا يعني أن سوهاج لم تعد محافظة تعيش على ميزانية مركزية فقط، بل باتت تعرف كيف توظف أصولها وتحميها من الإهمال والتعديات، الأهم من ذلك أن المول الجديد لن يكون مجرد مبنى من طابقين، بل مشروع متكامل يضم علامات تجارية حديثة ودور عرض سينمائي وجراج سيارات وخدمات متنوعة، وهو ما يحول ميدان الثقافة إلى نقطة جذب تجاري وترفيهي جديدة.
ربما تكمن قوة هذه الخطوة في توقيتها أيضا، فالدولة المصرية اليوم ترفع شعار «أصول الدولة لا تترك عاطلة»، وهذا ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي مراراً، لكن الفارق أن بعض المسؤولين يرددون التوجيهات كشعار، فيما قلة فقط لديهم شجاعة تحويلها إلى واقع.
هنا يبرز اسم سراج، الذي أثبت أن إدارة الأصول تحتاج إلى رؤية، وجرأة، وإرادة صلبة لمواجهة أصحاب المصالح الضيقة الذين يرون في بقاء الأرض مهجورة وسيلة لتسهيل التعديات أو تكرار التجميد.
نجاح تجربة سينما أوبرا ليس أول الغيث، فمحافظ سوهاج أعلن عن خطة أكثر طموحاً تتضمن استغلال 22 قطعة أرض أخرى لمشروعات استثمارية متنوعة بقيمة تقديرية تصل إلى ملياري جنيه، مع توقع تحقيق دخل سنوي يقارب المليار جنيه خلال ثلاث سنوات فقط، أرقام كهذه لم تكن يوماً تذكر في ملفات الإستثمار بالمحافظة إلا في الخطط النظرية، أما اليوم فقد أصبحت مدعومة بعقود ومزادات واستثمارات حقيقية.
يبقى أن النجاح الحقيقي لهذه التجربة لن يقاس فقط بالأرباح المالية التي ستدخل خزينة سوهاج، بل بقدرتها على خلق فرص عمل، وتحريك السوق المحلي، واستعادة الثقة بين المواطن والمسؤول، حين يرى الناس مشروعاً قائماً على قطعة أرض ظلت لعقود خرابة خاوية، فإن هذا وحده رسالة بأن التنمية ممكنة إذا وجد من يؤمن بها ويسعى لها.
«فعلها سراج» ليس مجرد عنوان يليق بالمقال، بل حقيقة تقول إن سوهاج على الطريق الصحيح، خطوة من ضمن خطوات لن تكون الأخيرة نحو محافظة تستثمر أصولها، وتنافس، وتخلق لمواطنيها ما يستحقونه من حياة أفضل.
السيد أبوعلى
مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط