الدكتور عمر علم الدين يكتب: بنك الموهوبين
مقال منشور بجريدة الأهرام ضمن سلسلة مقالات أسبوعية
الموهوبون هم ثروات الشعوب المستقبلية، وتسعى الدول دائمًا للاستفادة بإمكانياتها لتحقيق رؤيتها.. ولعل مثلث النجاح هو دقة تحديد الرؤية، وكفاءة التنفيذ، وتلاشي الزمن بين التخطيط والتنفيذ، فبه يقاس مدى تحقيق الأهداف، ولا يمكن إنكار أن مصر كانت الأسبق تاريخيًا في منطقتها العربية اهتمامًا بالموهوبين، وشهدت أول ابتعاث للنابغين للدول المتقدمة في عهد محمد علي، واستمرت خطوات وخطوات حتى تم الإعلان منذ شهور عن إطلاق المبادرة الرئاسية لرعاية الموهوبين من خلال الأكاديمية الوطنية للتدريب.
والتي يمكن أن تكون بيئة مجتمعية راعية للموهبة والنبوغ، وداعمة للإبداع من أجل مستقبل أفضل لمصر تتحقق فيه قدرتها التنافسية والتقدم.
فهل حان الوقت للاستفادة من مشروع قومي لاكتشاف الموهوبين من الأطفال والشباب ومنحهم فرصة حقيقية ومستدامة لتنمية قدراتهم في عالم متغير يتطلب الابتكار والتفكير المبدع، وهذا بلا شك يسهم في تكوين ثروة بشرية متميزة قادرة على قيادة عجلة التقدم.
المبادرة الرئاسية خطوة عظيمة، ولكنها تحتاج إلى تجميع مجهودات الوزارات من تربية وتعليم وتعليم عالٍ وثقافة وشباب ورياضة واتصالات وغيرها، جنبا إلى جنب مع المجتمع المدني ووجود تشريعات منظمة لتشجيع النابغين، وهذا يجعلنا قادرين على اكتشاف الآلاف الموهوبين من نجوع وقري ومدن مصر في المواهب الأكاديمية والعقلية والمعرفية والتفكير الإبداعي والأدائية والقيادي.
تحويل المبادرة الرئاسية الكريمة لمشروع قومي يجعلنا نسعى بطرق تقليدية وغير تقليدية لاكتشاف الموهوبين والنابغين من خلال التفوق الدراسي أو ترشيح المعلم والوالدين والزملاء والمسابقات واختبار الذكاء المتعدد والإبداع وغيره من الطرق.
وقد يكون ذلك بإنشاء بنك الموهوبين يضم كل موهوب ورائد أعمال، ومن خلال التسويق الجيد يمكن وجود داعم ومنفذ للأفكار، وتوضع منه نسبة للبنك وهذا أقضل استثمار في العنصر البشري؛ وبناء جيل من الكوادر الشابة المتميزة القادرة على البناء.
ودخول المجتمع طرف في المعادلة وشعوره بالمجهود الكبير في المبادرة وجني ثمارها كفيل بنجاح المنظومة لمواجهة التزايد السكاني.
وهناك دول رغم ظروفها الاقتصادية وزيادة تعداد سكانها نجحت في استغلال الموهوبين في الارتقاء على كل المستويات وتأتي في هذا الهند نموذجًا للنجاح، البلد الذي يزيد تعداده على مليار و٤٠٠ مليون إنسان نجح في صناعة فارق من خلال الموهوبين، يكفي معرفة أن المعهد الهندي للتكنولوجيا هو واحد من أكبر المعاهد العلمية في العالم الآن وخريجوه يديرون أكبر الشركات العالمية، ومن ضمن ٥٠٠ شركة فى العالم ٢٠٠ منها يديرها هنود، وجزء منهم خريج هذا المعهد، فلقد بنت الهند نهضتها العلمية الحديثة على إنشاء المراكز المتميزة التي تستقطب الموهوبين فقط لا غير حتى بلغ عددها الآن أكثر من ١٠٠ مركز للتميز فى مختلف التخصصات.
وعن طريق هذه المراكز وهى براءة اختراع مسجلة باسم الهند عالميًا استطاعت عبور فجوة الحداثة والتصنيع والزراعة، والأهم امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا وإنتاجها وتوطينها هنديًا وليس مجرد استيرادها فقط بسياسة تسليم المفتاح.
المعهد يجرى امتحانات قبول سنويًا لما يزيد على ١.٢ مليون طالب هندي بعد الثانوية، يختار منهم ما يقرب من الألف طالب وطالبة فقط، فهو متاح للموهوبين والمتميزين علميًا وليس ماديًا.
ومصر غنية بالموهوبين فوفقًا لمعدلات الذكاء والنبوغ التي تشير إلى أن مستوى ذكاء (-١٣٠) يوجد به ٢ من كل ١٠٠ شخص، وأن مستوى ذكاء (-١٤٠) يوجد به ١ من كل ١٠٠٠ شخص وذكاء (-١٥٠) يوجد به معدل ١ من كل ١٠ آلاف ومستوى ذكاء (+١٦٠) يوجد فيه ١ من كل ١٠٠ ألف من السكان، وهذا الأخير يكون مثل العالم أينشتاين ومثله، وعندما نقيس هذا المعدل العلمي على مصر التي يوجد بها ما يقارب ٢٦ مليون طالب وفقًا لإحصائيات وزارة التربية والتعليم لعام ٢٠٢٣ والمؤشرات العلمية العالمية فإننا لدينا ما يقارب من ٥٥٠ ألف موهوب في مصر، ولكن أين هم الآن؟ حتى لا تظهر الموهبة في سن مبكر وتتلاشى بفعل عوامل عدة ولا تتحول لنبوغ.